فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحاصل معنى هذه الآية: إن لم ننتقم منهم عاجلًا انتقمنا منهم آجلًا.
وقد أراه الله سبحانه قتلهم وأسرهم، وذلهم وذهاب عزّهم، وانكسار سورة كبرهم بما أصابهم به في يوم بدر وما بعده من المواطن، فلله الحمد.
قوله: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} جاء بثم الدالة على التبعيد، مع كون الله سبحانه شهيدًا على ما يفعلونه في الدارين، للدلالة على أن المراد بهذه الأفعال ما يترتب عليها من الجزاء، أو ما يحصل من إنطاق الجوارح بالشهادة عليهم يوم القيامة، فجعل ذلك بمنزلة شهادة الله عليهم، كما ذكره النيسابوري: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ} من الأمم الخالية في وقت من الأوقات: {رَّسُولٍ} يرسله الله إليهم، ويبيّن لهم ما شرعه الله لهم من الأحكام على حسب ما تقتضيه المصلحة: {فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ} إليهم، وبلغهم ما أرسله الله به فكذبوه جميعًا: {قُضِىَ بَيْنَهُمْ} أي: بين الأمة ورسولها: {بالقسط} أي: العدل فنجا الرسول، وهلك المكذبون له، كما قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ويجوز أن يراد بالضمير في: {بينهم} الأمة على تقدير أنه كذبه بعضهم، وصدقه البعض الآخر، فيهلك المكذبون، وينجو المصدقون: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} في ذلك القضاء، فلا يعذبون بغير ذنب، ولا يؤاخذون بغير حجة، ومنه قوله تعالى: {وَجِئ بالنبيين والشهداء وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} [الزمر: 69] وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: 41].
والمراد المبالغة في إظهار العدل، والنصفة بين العباد، ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبه الكفار، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان كلما هددهم بنزول العذاب كانوا: {يَقُولُونَ متى هذا الوعد} والاستفهام منهم للإنكار، والاستبعاد، وللقدح في النبوّة: {إِن كُنتُمْ صادقين} خطابًا منهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، وجواب الشرط محذوف يدلّ عليه ما قبله، ويحتمل أن يراد بالقائلين هذه المقالة جميع الأمم الذين لم يسلموا لرسلهم الذين أرسلهم الله إليهم.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم بما يحسم مادّة الشبهة ويقطع اللجاج فقال: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلاَ نَفْعًا} أي: لا أقدر على جلب نفع لها، ولا دفع ضرّ عنها، فكيف أقدر على أن أملك ذلك لغيري، وقدّم الضرّ، لأن السياق لإظهار العجز عن حضور الوعد الذي استعجلوه واستبعدوه، والاستثناء في قوله: {إِلاَّ مَا شَاء الله} منقطع كما ذكره أئمة التفسير، أي: ولكن ما شاء الله من ذلك كان، فكيف أقدر على أن أملك لنفسي ضرًا أو نفعًا، وفي هذه أعظم واعظ، وأبلغ زاجر لمن صار ديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغاثة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه، وكذلك من صار يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه.
فإن هذا مقام ربّ العالمين الذي خلق الأنبياء والصالحين، وجميع المخلوقين، ورزقهم، وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب من نبيّ من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين، ما هو عاجز عنه غير قادر عليه، ويترك الطلب لربّ الأرباب القادر على كل شيء، الخالق الرازق المعطي المانع؟ وحسبك بما في هذه الآية موعظة، فإن هذا سيد ولد آدم، وخاتم الرسل، يأمره الله بأن يقول لعباده: لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملكه لغيره، وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه، فضلًا عن أن يملكه لغيره، فيا عجبًا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عزّ وجلّ؟ كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا يتنبهون لما حلّ بهم من المخالفة لمعنى: لا إله إلا الله، ومدلول: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]؟ وأعجب من هذا: اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء، ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشدّ منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق، المحيي المميت، الضارّ النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومقرّبين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضرّ والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شرّ سماعه، والله ناصر دينه، ومطهر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر، ولقد توسل الشيطان أخزاه الله بهذه الذريعة إلى ما تقرّ به عينه، وينثلج به صدره، من كفر كثير من هذه الأمة المباركة: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] إنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم بيّن سبحانه أن لكل طائفة حدًّا محدودًا لا يتجاوزونه، فلا وجه لاستعجال العذاب فقال: {لِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} فإذا جاء ذلك الوقت، أنجز وعده وجازى كلًا بما يستحقه، والمعنى: أن لكل أمة ممن قضى بينهم وبين رسولهم، أو بين بعضهم البعض أجلًا معينًا، ووقتًا خاصًا، يحلّ بهم ما يريده الله سبحانه لهم عند حلوله: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} أي: ذلك الوقت المعين، والضمير راجع إلى كل أمة: {فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ} عن ذلك الأجل المعين: {سَاعَةِ} أي: شيئًا قليلًا من الزمان: {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} وعليه، وجملة: {لا يستقدمون} معطوفة على جملة: {لا يستأخرون}، ومثله قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُون} [الحجر: 5] والكلام على هذه الآية المذكورة هنا قد تقدّم في تفسير الآية التي في أوّل الأعراف، فلا نعيده.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الحسن، في قوله: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} قال: يعرف الرجل صاحبه إلى جنبه لا يستطيع أن يكلمه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} الآية.
قال: سوء العذاب في حياتك: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} وفي قوله: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ} قال: يوم القيامة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} قوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاءَ الله}: فيه وجهان أحدهما: أنه استثناءٌ متصل تقديرُه: إلا ما شاء الله أن أَمْلكه وأٌقْدِر عليه. والثاني: أنه منقطعٌ. قال الزمخشري: هو استثناءٌ منقطع أي: ولكنْ ما شاء الله من ذلك كائن، فكيف أَمْلك لكم الضررَ وجَلْبَ العذاب؟. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}
الاستعجال بهجوم الموعود من أمارات أصحاب التكذيب، فأمَّا أهل التحقيق فليس لهم لواردٍ يرَدُ عليهم اشتغالٌ قبل وجوده، أو استعجالٌ على حين كَوْنِه، ولا إذا وَرَدَ استقالٌ لما تضمنه حُكْمُه؛ فهم مطروحون في أسْرِ الحُكْم، لا يتحرك منهم- باختيارهم- عِرْقٌ.
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}
المملوكُ متى يكون له مِلْك؟!
وإذا كان سيِّدُ البرايا- عليه الصلاة والسلام- لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا.. فَمَنْ نَزَلَتْ رُتْبَتُه، وتقاصرَتْ حالتُه متى يملك ذرةُ أو تكون باختياره وإيثاره شمةٌ؟
طاح الذي لم يكن- في التحقيق، وتفرَّدَ الجبارُ بنعت الملكوت. اهـ.

.تفسير الآية رقم (50):

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان جل قصدهم بذلك الاستهزاء، وكان وقوعه أمرًا ممكنًا، وكان من شأن العاقل أن يبعد عن كل خطر ممكن، أمره صلى الله عليه وسلم بجواب آخر حذف منه واو العطف لئلا يظن أنه لا يكفي في كونه جوابًا إلا بضمنه إلى ما عطف عليه فقال: {قل} أي لمن استبطأ وعيدنا بالعذاب في الدنيا أو في الأخرى، وهو لا يكون إلا بعد الأخذ في الدنيا إعلامًا بأن الذي يطلبونه ضرر لهم محض لا نفع فيه بوجه، فهو مما لا يتوجه إليه قصد عاقل: {أرءيتم} وهي من رؤية القلب لأنها دخلت على الجملة من الاستفهام: {إن أتاكم عذابه} في الدنيا.
ولما كان أخذ الليل أنكى وأسرع، قدمه فقال: {بياتًا} أي في الليل بغتة وأنتم نائمون كما يفعل العدو؛ ولما كان الظفر ليلًا لا يستلزم الظفر نهارًا مجاهرة قال: {أو نهارًا} أي مكاشفة وأنتم مستيقظون، أتستمرون على عنادكم فلا تؤمنوا؟ فكأنهم قالوا: لا، فليجعل به ليرى، فقيل: إنكم لا تدرون ما تطلبون! إنه لا لمخلوق بنوع منه، ولا يجترئ على مثل هذا الكلام إلا مجرم: {ماذا} أي ما الذي؟ ويجوز أن يكون هذا جواب الشرط: {يستعجل} أي يطلب العجله: {منه} أي من عذابه، وعذابه كله مكروه لا يحتمل شيء منه: {المجرمون} إذ سنة الله قد استمرت بأن المكذب لا يثبت إلا عند مخايله، وأما إذا برك بكلكه وأناخ بثقله فإنه يؤمن حيث لا ينفعه الإيمان: {ولن تجد لسنةِ الله تحويلًا} [فاطر: 43] وهذا معنى التراخي في قوله: {أثُمَّ إذا ما وقع}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ}
اعلم أن هذا هو الجواب الثاني عن قولهم: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48]
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
حاصل الجواب أن يقال لأولئك الكفار الذين يطلبون نزول العذاب بتقدير أن يحصل هذا المطلوب وينزل هذا العذاب ما الفائدة لكم فيه؟ فإن قلتم نؤمن عنده، فذلك باطل، لأن الإيمان في ذلك الوقت إيمان حاصل في وقت الإلجاء والقسر، وذلك لا يفيد نفعًا ألبتة، فثبت أن هذا الذي تطلبونه لو حصل لم يحصل منه إلا العذاب في الدنيا، ثم يحصل عقيبه يوم القيامة عذاب آخر أشد منه، وهو أنه يقال: للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد، ثم يقرن بذلك العذاب كلام يدل على الإهانة والتحقير وهو أنه تعالى يقول: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} فحاصل هذا الجواب: أن هذا الذي تطلبونه هو محض الضرر العاري عن جهات النفع والعاقل لا يفعل ذلك.
المسألة الثانية:
قوله: {بَيَاتًا} أي ليلًا يقال بت ليلتي أفعل كذا، والسبب فيه أن الإنسان في الليل يكون ظاهرًا في البيت، فجعل هذا اللفظ كناية عن الليل والبيات مصدر مثل التبييت كالوداع والسراح، ويقال في النهار ظللت أفعل كذا، لأن الإنسان في النهار يكون ظاهرًا في الظل.
وانتصب: {بياتًا} على الظرف أي وقت بيات وكلمة: {مَاذَا} فيها وجهان: أحدهما: أن يكون ماذا اسمًا واحدًا ويكون منصوب المحل كما لو قال ماذا أراد الله، ويجوز أن يكون: {ذا} بمعنى الذي، فيكون: {ماذا} كلمتين ومحل: {ما} الرفع على الابتداء وخبره: {ذا} وهو بمعنى الذي، فيكون معناه ما الذي يستعجل منه المجرمون ومعناه، أي شيء الذي يستعجل من العذاب المجرمون.
واعلم أن قوله: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا} شرط.
وجوابه: قوله: {ماذا يستعجل منه المجرمون}، وهو كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني، يعني: إن حصل هذا المطلوب، فأي مقصود تستعجلونه منه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا} ظرفان، وهو جواب لقولهم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} وتسفيهٌ لآرائهم في استعجالهم العذاب؛ أي إن أتاكم العذاب فما نَفْعُكم فيه، ولا ينفعكم الإيمان حينئذ.
{مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} استفهام معناه التهويل والتعظيم؛ أي ما أعظم ما يستعجلون به؛ كما يقال لمن يطلب أمرًا يستوخم عاقبته: ماذا تجني على نفسك! والضمير في منه قيل: يعود على العذاب، وقيل: يعود على الله سبحانه وتعالى.
قال النحاس: إن جعلت الهاء في منه تعود على العذاب كان لك في ماذا تقديران: أحدهما أن يكون ما في موضع رفع بالابتداء، وذا بمعنى الذي، وهو خبر ما والعائد محذوف.
والتقدير الآخر أن يكون ماذا اسمًا واحدًا في موضع رفع بالابتداء، والخبر في الجملة، قاله الزجاج: وإن جعلت الهاء في منه تعود على اسم الله تعالى جعلت ما، وذا شيئًا واحدًا، وكانت في موضع نصب بـ {يستعجل}؛ والمعنى: أيّ شيء يستعجل منه المجرمون من الله عز وجل. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا}
{قُلْ} لهم غِبَّ ما بيّنتَ كيفيةَ جريانِ سنةِ الله عز وجل فيما بين الأمم على الإطلاق ونبهتَهم على أن عذابَهم أمرٌ مقررٌ محتومٌ لا يتوقف إلا على مجيء أجله المعلومِ إيذانًا بكمال دنوِّه وتنزيلًا له منزلةَ إتيانِه حقيقة: {أَرَءيْتُمْ} أي أخبروني: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} الذي تستعجلون به: {بَيَاتًا} أي وقتَ بياتٍ واشتغالٍ بالنوم: {أَوْ نَهَارًا} أي عند اشتغالِكم بمشاغلكم حسبما عُيِّن لكم من الأجل بمقتضى المشيئةٍ التابعةِ للحكمة كما عيّن لسائر الأممِ المهلَكة، وقوله عز وجل: {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} جوابٌ للشرط بحذف الفاءِ كما في قولك: إن أتيتُك ماذا تطعمني؟ والمجرمون موضوعٌ موضعَ المضمر لتأكيد الإنكارِ ببيان مباينةِ حالِهم للاستعجال، فإن حقَّ المجرمِ أن يَهلك فزَعًا من إتيان العذابِ فضلًا عن استعجاله، والجملةُ الشرطيةُ متعلقةٌ بأرأيتم، والمعنى أخبروني إن أتاكم عذابُه تعالى أيَّ شيءٍ تستعجلون منه سبحانه والشيءُ لا يمكن استعجالُه بعد إتيانِه، والمرادُ به المبالغةُ في إنكار استعجالِه بإخراجه عن حيز الإمكانِ، وتنزيلُه في الاستحالة منزلةَ استعجالِه بعد إتيانِه بناءً على تنزيل تقرر إتيانِه ودنوِّه منزلةَ إتيانه حقيقةً كما أشير إليه، وهذا الإنكارُ بمنزلة النهي في قوله عز وعلا: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} خلا أن التنزيلَ هناك صريحٌ وهنا ضمنيٌّ كما في قول من قال لغريمه الذي يتقضّاه حقَّه: أرأيتَ إن أعطيتُك حقَّك فماذا تطلُب مني؟ يريد المبالغةَ في إنكار التقاضي بنظمه في سلك التقاضي بعد الإعطاءِ بناءً على تنزيل تقرّرِه منزلةَ نفسِه. اهـ.